كان ماكس دييل يريد الخروج لتناول العشاء، حتى مع تفشي الجائحة في ألمانيا. لذا، ذهب الفنان المقيم في برلين إلى واحدٍ من أكثر من 15000 مركز اختبار مجاني انتشرت في جميع أنحاء البلاد واصطف في الطابور.

يقول إن البحث في تطبيق الاشتراك كان أمراً صعباً، والانتظار في الطابور يمكن أن يكون مزعجاً، لكنه حصل على نتيجة الاختبار المجانية، وبعد ساعة كان يلتقي بأصدقائه. على الرغم من أن ألمانيا تفكر الآن في تخفيف بعض القيود الوبائية في غضون شهر، إلا أنه لمدة عام تقريباً، كان مجرد الذهاب إلى المدرسة أو زيارة المطعم، أو التسوق في متجر الملابس يتطلب أحياناً إظهار نتيجة اختبار سلبية. يقول دييل: «لا أرى أي مشكلة في إجراء الاختبار. إنه يمنحك فقط إمكانية العيش بمزيد من الحرية». لطالما كانت ألمانيا أمة ذات ثقافة جماعية واحترام للإنجازات العلمية. ولكن بعد مرور عامين على انتشار جائحة كوفيد-19، أصبحت هذه الاتجاهات مبالغاً فيها.

أصبح القبول الواقعي للاختبار جزءاً من الحياة، كما أن ثقة الجمهور في العلم أصبحت الآن أعلى مما كانت عليه قبل الوباء. يقول علماء الاجتماع إن المجتمع الألماني سيخرج من الوباء الذي تشهده البلاد وهو يدرك أهمية المسؤولية المشتركة. وقد يكون لذلك تداعيات كبيرة على كيفية تعامل ألمانيا مع الأزمات المستقبلية - وغيرها من الأزمات الوشيكة، مثل تغير المناخ. يقول هاينز بود، أستاذ علم الاجتماع الكبير في جامعة كاسل: «أود أن أقول إن الغالبية قد أدركت أن التضامن هو بمثابة مورد بشري. فالناس يدركون أننا بحاجة إلى عمل جماعي للتعامل مع مواقف لا يمكننا تخيلها في الوقت الحالي، ولكنها قد تظهر في المستقبل». لطالما كان الاختبار السريع العنصر الأهم في استراتيجية التعامل مع كوفيد-19 في ألمانيا، حيث تعمل الحكومة منذ بداية الجائحة لدعم الإمدادات ودعم التكاليف للجمهور.

بهذه الطريقة، كان العلم دائماً في طليعة استجابة ألمانيا الوبائية. يقوم عالم الفيروسات الألماني كريستيان دروستن، الذي شارك في اكتشاف فيروس كورونا -سارس قبل عقدين من الزمن، حاليا بالتشاور مع الحكومة بشأن استجابتها لكوفيد-19. وقام اثنان من العلماء الألمان اللذين أسسا شركة بيونتك بتطوير اللقاح الذي يتم تسويقه الآن في جميع أنحاء العالم من قبل شركة فايزر.

ورفضت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، الحاصلة على دكتوراه في الكيمياء، التقليل من شأن العلم أثناء مخاطبة الجمهور. في جميع أنحاء ألمانيا، ازدادت ثقة الجمهور في العلوم بحوالي 10 - 15%، مقارنة بما كانت عليه قبل الوباء، وفقاً لدراسة «مقياس العلوم» الصادرة عن المنظمة الألمانية للتواصل العلمي. علاوة على ذلك، يتوقع أكثر من ثلثي المستجيبين الآن أن يسترشد السياسيون بالنتائج العلمية.

تعزز العلم بما أسماه عالم الاجتماع رودولف ستيشويه «تبسيط الحياة الاجتماعية»، حيث كان واجب المجتمع الوحيد هو إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح. يقول جيرالد إشترهوف، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة مونستر: «لقد كانت نوعا من هيمنة نظام الصحة والعلوم، وإخضاع أنظمة المجتمع الأخرى للنظر في ما سيخبرنا به العلم». بشكل عام، يعتبر هذا الانجذاب المتزايد نحو العلم تطوراً إيجابياً، كما يقول علماء الاجتماع. يضيف الدكتور إشترهوف: «أعتقد أنه من المهم حقا أن يكون الناس منفتحين على صراع العلم لتقديم إجابات للأسئلة المهمة التي تواجه المجتمع. أرحب بهذا التحول». هناك أيضا ًإدراك لتأثير الإجراءات الفردية على الغرباء.

يرى الدكتور «إشترهوف» أنه «يمكن أن تكون هناك سلسلة عدوى للأشخاص في منزل كبير، ويمكن أن تقتل الناس. لقد أصبح ذلك جزءا من المعرفة والفهم المشترك». بشكل عام، لم يحدث هذا التحول المجتمعي من دون مواطن الخلل، ولم يكن دائماً يأتي من مكان بدافع نكران الذات. هناك أقلية صاخبة تعترض على القيود الوبائية. وقعت مجموعات معينة من الأشخاص أيضاً فريسة للمعلومات الخاطئة حول كوفيد-19 وعلاجه.

علاوة على ذلك، يمكن للمرء أن يعزو الشعور الجديد «بالمسؤولية الجماعية» لمجرد الامتثال القسري. لقد تحمَّل الجمهور القيود الوبائية مثل الاختبار واللقاحات بنفس الطريقة التي تم بها قبول القيود على التدخين تدريجياً، كما يقول دكتور بود، عالم الاجتماعيات البارز. تم استخدام الاختبار أيضا كأداة، مما سمح للسياسيين في نهاية المطاف بالشعور كما لو كان بإمكانهم تجنب التأثير السلبي للقيود المستمرة لفيروس كورونا.

ومن بين هذه المشاكل الاكتئاب والبطالة من إغلاق متاجر التجزئة والمطاعم، وعدم القدرة على الوصول إلى الخدمات الحكومية، كما يقول جيمس مور، أستاذ التاريخ في جامعة هومبولت في برلين. يضيف مور: «بهذه الطريقة، ساهمت حملة الاختبار بشكل سلبي في ممارسة الحياة بشكل طبيعي». ومع ذلك، ربما يتطور هذا التغيير إلى وعي دائم بعد الجائحة حول إدارة الأزمات، كما يقول الدكتور إشترهوف. «أعني تغير المناخ، حيث يحتاج الناس إلى تحمل المسؤولية حقا، والتعايش مع القيود من أجل التعامل مع الأشياء التي ستكون مهمة لصالح المجتمع والتماسك الاجتماعي». هذا ما آمل أن يحدث.

لينورا تشو*

مراسلة صحيفة كريستيان ساينس مونيتور في أوروبا – برلين.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»